كلمة «بَلانكو» إيطالية من أصل لاتيني (بَلانكا)، وكانت تُستعمل في الأزمنة القديمة لتسمية الآلة التي تُرفَع بها الحجارة الثقيلة. والصورة أدناه لإحدى الآلات القديمة، كما وصفها فيتروفيوس.
ولا يزال يطلق اسم «بَلانكو» على الآلة نفسها، خصوصًا حين تُرفَع بها السيارات بغية نقلها أو تصليحها. وهذه الآلة، أو ما يشابهها، تُستعمل أيضًا للتعذيب، كما في الصورتين أدناه:
«تُعلّق الضحيّة من قدميها أو من يديها (وفي الغالب من قدم واحدة أو من يد واحدة)، بإحدى الرافعات الّتي تستعمل لحمل السيّارات. وفي هذه الوضعيّة، يتمّ جلدها أو دفعها في اتّجاه الحائط. «ويحضر أحيانًا طبيب لينذر الجلاّدين بمقدار التعذيب الذي يمكن للضحيّة احتماله بعد. «يقول معتقل سابق: “ثمّة وسيلة تعذيب مشابهة للبلانكو، وهي السلّم. يُقَيـَّد السجين إلى السلّم. ثمّ يوقف السلّم، فيبقى رأس الضّحيّة في الأسفل. هذه الوضعيّة تتسبب بتدفّق الدم إلى الرأس، وبعد مدة، يخيّل إلى المرء أنّ عينيه ستخرجان من وجهه”».
(لينا المر نعمة، «المخطوفون اللبنانيون في السجون السورية»، ألف وتاو، بيروت، ص ٣٠.)
البلانكو ليست وسيلة تعذيب حديثة. إنها إحدى أقدم وسائل التعذيب المعروفة في الكتب والمنحوتات. وقد استعملها اليونانيون والرومان لرفع البشر وتعذيبهم. الصورة إلى الأسفل لمسيحيين علقهم الرومان على البلانكو.
وقد يُغني الشجر عن استعمال الآلة، إنما التعذيب هو نفسه. في الصورة إلى الأسفل، منحوتة يونانية تمثل مارسياس، ضحية الإله أبولون.
وأحيانًا كان الذراعان يُربَطان أو يُسمّران في شكل أفقي، ليزداد ألم الضحية. وهذا هو الصلب. ولم تُستعمل دومًا الحبال لتعليق الضحايا، بل علقت أحيانًا بالمسامير، عموديًّا أو أفقيًّا. وقد صلب الإسكندر المقدوني آلاف الشبان الفينيقيين في صور (لبنان)، لأنهم قاوموه.
وكان الرومان يمارسون الصلب على العبيد والأغراب، ويعفون أنفسهم منه. ولكثرة ما كان هذا النوع من التعذيب مروعًا، تجنب الفن المسيحي رسم المسيح المصلوب، طوال قرون. وهذا الرسم للمسيح المصلوب، هو الأقدم المعروف. وهو في مخطوطة ربولى المشرقية.
أما الروم، فقد منعوا الصلب وغيره من الممارسات الوحشية، بعد اهتداء الأمبراطورية إلى المسيحية. لكن هذه الطرائق ظلت تُمارَس عند العرب والفرس.
وعندما احتل العرب المشرق، عذبوا بالبلانكو المسيحيين اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين إن لم يدفعوا الجزية في الوقت المحدد. فهب الإمام الأوزاعي من بيروت لنصرة المظلومين:
وورث الأتراك أساليب التعذيب العربية، ومنها البلانكو. وإلى الأدنى، صفحة من القسم الفرنسي لكتابي «بيروت إن حكت» (وهو باللغتين)، وضعتُ فيها صورة طبق الأصل لأحد النصوص التي تروي ذلك.
وطبعًا ورثت الأنظمة الشرقية التي حلت محل العرب والأتراك في لبنان وسوريا وفلسطين والأردن والعراق وسائر الشرق الأوسط، وسيلة التعذيب بالبلانكو. وفي سر السجون، هي تستعمل أيضًا الصلب. أما داعش، فهي تفتخر بتطبيق الحدود (أي العقابات الشرعية)، منها الصلب، وهي تصلب البشر في الساحات (الصورة أدناه).
داعش هي الكيان الأكثر استعمالاً للتعذيب في الشرق الأوسط اليوم، لسببين. أولاً لأنها تسيطر على أكبر بقعة جغرافية سكنية في الشرق الأوسط، وتمد سلطتها بسرعة قصوى. لا بد من أن تكون ضحاياها كثيرة، لأن الزمن هو زمن حرب.
ثانيًا، داعش ليست محبوبة، فلا تستطيع أن تفرض نفسها إلاّ بالرعب: القتل والتعذيب المكثف.
العميد فايز كرم هو من الضباط الذين أحيلوا على سجن المزة، في سوريا، بعد ١٣ تشرين الأول ١٩٩٠، حين دخل الجيش السوري إلى أهم مراكز الدولة اللبنانية. ولم يوقف فايز كرم في منزله، بل في مركزه في وزارة الدفاع، في اليرزة. هناك كان من القلائل الذين بقوا، لأنه كان منهمكًا في إتلاف الوثائق والمستندات التي لا يجب أن تقع في أيدي المحتل. لهذا السبب وقع هو في يد المحتل.
وازداد احترامي لفايز كرم سنة ٢٠٠٩. كان يستطيع أن يفوز في الإنتخابات النيابية في قضاء زغرتا، بسبب شعبيته، ولأنه كان المرشح الوحيد للتيار الوطني الحر في زغرتا. لكنه، في الدقيقة الأخيرة، سحب ترشيحه، خدمة لمصلحة المعارضة.
وفي السنة التالية، أوقِف فايز كرم لدى فرع المعلومات، الذي كان يرأسه اللواء وسام الحسن، المقرب من سعد الحريري. لم يكن وسام الحسن يشغل منصبًا سياسيًّا رسميًّا في تيار المستقبل، لكنه كان يلعب دورًا أساسيًّا في السياسة اللبنانية. وبدا هذا الدور من خلال عنف الخطابات التي ألقيَت بعد موته، والتي أدت إلى محاولة اقتحام الساراي، حيث كان نجيب ميقاتي، خصم سعد الحريري.
وفور توقيف فايز كرم، امتلأت الصحف وشاشات التلفزيون وصفحات الإنترنت بالإشاعات التي تتهمه بالعمالة، بناء على تسريبات تقول إنه اعترف خطيًّا بهذه العمالة.
لم أصدق، لأن ذلك لم يكن منطقيًّا. العميل أناني، يخدم مصلحته على حساب المصلحة العامة. لا يرفض مركزًا يدر عليه الجاه والسلطة والمنبر الإعلامي والمال، ويعطيه الحصانة التي ستحميه من الملاحقة. وهنا يجب التذكير بأن النائب يربح شهريًّا ١٢ مليون ليرة لبنانية، إضافة إلى موقف للسيارة في ساحة النجمة، وسط بيروت، ومكتب مجاني مؤلف من غرفتين مفروشتين وحمام، يصله التلفون والإنترنت والكهرباء والماء مجانًا. لا يمكن استأجار مكتب له هذه الخصوصيّات، بأقل من ٢٠٠٠ دولارًا شهريًّا.
ومورسَت على فايز كرم الضغوط الجسدية والمعنوية لإرغامه على الإقرار بالتهم المنسوبة إليه. وعكس ما سُرِّب، لم يعطِ كرم أي اعتراف حقيقي طوال ٦٩ يوم من التحقيق والتعذيب. أما الاعترافات التي وقع عليها، فكانت تُملى إليه تحت التهديد. وبما أن التسجيلات تفضح ذلك، لم تتمكن المحكمة من الحصول عليها.
فكتبتُ في صفحتي على الفايسبوك في ٥ أيلول ٢٠١١:
«رح نصدق انو يللي مسجلين كل تلفونات الغرام تبع كل شاب وكل بنت وكل رجال وكل مرا من سنة ٢٠٠٠ ومحتفظين فيهم، واذا طلبتهم المحكمة الدولية بيعطوها اياهم، ما بيحتفظو بتسجيلات ضابط بأهمية فايز كرم وبيتلفوها بعد شهرين؟»
وهذا الرجل الذي رفض ١٢ مليون ليرة شهريًّا ومكتبًا قيمة إيجاره ٢٠٠٠ دولار شهريًّا، اتُّهِمَ ببيع نفسه في مقابل بضعة آلاف يورو! فكتبتُ في صفحتي على الفايسبوك في ٢٣ شباط ٢٠١١:
«كلنا منعرف قديش كان الحريري يدفع لكل مسيحي اشتهر بالمعارضة تا يفوت عا ليستتو ضد عون: من النصف مليون لـ المليون ونصف حسب الشهرة. وبدهم ايانا نصدق إنو فايز كرم يلي رفض يكون بليستة الحريري بهالسعر، بدو يتبرطل بعشرات الآلاف؟ خصوصي إنو لو صار نائب كان قبض هالكمية بكم شهر كمعاش».
وبعد المقابلة التي أجراها فايز كرم مع تلفزيون الجديد، اتصلتُ به، الخميس ٣٠ تشرين الأول ٢٠١٤، لأعطيه رأيي. والذي يحترم الآخر يقول له الانتقادات قبل المجاملات. فأجابني، ونشرتُ الحديث. لكن المقابلة توسعت بسبب الأسئلة التي طرحها الناس، والأبحاث المكثفة التي قمتُ بها لمدة أسبوع للإجابة، إضافة إلى الاتصالات والمقابلات التي أجريتها مع الأشخاص الذين يحبون العميد كرم والأشخاص الذين يكرهونه.
وهذا ما قاله لي العميد فايز كرم:
«موضوع اعتقالي هو أكبر بكثير من وسام الحسن. الموضوع ضخم جدًّا. إنه موضوع مخابرات. ليست مخابرات محلية، بل دولية على نطاق يفوق كثيرًا فرع المعلومات. كان المقصود من توقيفي واتهامي بالعمالة، ضرب العلاقة بين الجنرال عون وحزب الله. هذا هو الواقع.
«وطُرِحَت عليَّ أسئلة عديدة لجعلي أقول شيئًا ما، يمكن استعماله ضد الجنرال عون. كانوا يسألونني، مثلًا: “إنت كنت وسيط بين عون وبين الإسرائيليين؟” أو: “رحت مع عون ع أميركا؟”… لكن كل الأسئلة والأجوبة التي تناولت موضوع ميشال عون، حُذفَت، بناء لقرار من رئيس المحكمة، نزار خليل، الذي رفض الاستماع إلى ذلك، بالرغم من أن فرع المعلومات كان قد أحضر محضرًا في موضوع الجنرال.
«كل قضية توقيفي سياسية. والدليل على ذلك السيجال السياسي الذي أخذ حيزاً كبيراً بين ٨ آذار و ١٤ آذار حول قضيتي، إضافة إلى اختفاء التسجيلات الصوتية والفيديوهات. وقيل خلال المحاكمة إنها أتلفت. وعندما سألهم المحامون عن هذه التسجيلات، قال أحد المحققين: “صحيح في تسجيلات، بس أتلفناهن”. أتلفوا هذه التسجيلات لأنها خير دليل على براءتي.
«وبما أني كنتُ الضحية وموقوفًا، لا أستطيع أن أقول أي دولة هي التي لعبت هذا الدور. وسام الحسن هو مَن أوقفني، لكنه كان في قضيتي مجرد منفذ. لهذا السبب، لن أتكلم عنه كثيرًا، وأيضًا لأنه توفي. أنا لا أهاجم إنسانًا مات.
«قيل أيضًا عني إني زوّدت الإسرائيليين بتفاصيل تنقلات المسؤول في العلاقات السياسية في حزب الله، الحاج غالب أبو زينب. لكنني لم أتعرف إلى الحاج غالب إلا بعد سنة ٢٠٠٧. فكيف يمكنني تزويد الإسرائيليين بمعلومات عن تنقلاته قبل هذا التاريخ؟
«قبل الانتخابات [إنتخابات سنة ٢٠٠٩]، جاء إليّ الحاج غالب أبو زينب، وطلب مني مقابلة الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله. فزرت الشيخ قاسم. وحاول إقناعي بعدم خوض الانتخابات، لعدم شق صف المعارضة وإضعافها في الشمال.
«أنا كنتُ أخوض الانتخابات، ليس ضد فرنجية، بل لتثبيت موقع التيار الوطني الحر في منطقة زغرتا. كنتُ قد أعلمتُ سليمان فرنجية أن هدفي لم يكن الوصول، بل ترك مكان للتيار في الشمال. إن كان اسم فايز كرم يشكل مشكلًا بسبب وجود مرشح آخر من عائلة كرم، فكنتُ مستعدًّا على الانسحاب لمصلحة شخص آخر من التيار الوطني الحر. لأن شباننا كانوا الأساس في النضال في أيام الاحتلال السوري. فقد تركوا عائلاتهم وإقطاعياتهم السياسية، وخدموا الدولة والجيش. وكانوا أول مَن ناضل في أيام الاحتلال، وأهينوا، وضُربوا، وسُجنوا. كان يجب أن يكون لهم تمثيل في المجلس النيابي، كي لا يرغَم كل منهم على العودة إلى عائلته وإلى الإقطاع الذي كان يرفضه.
«ومع ذلك، لم أكن أريد إضعاف قضية وطن. فقلت للشيخ قاسم: “كرمى لشهداء الجيش وشهداء المقاومة، إني سأقبل أن أنسحب، لكني لا أريد أن يُعرَف ذلك، وأنا لن أعلنه إلا في الدقيقة الأخيرة “. والشيخ نعيم قاسم موجود، يمكنكِ أن تسأليه.
«ومع اقتراب موعد الإنتخابات، عرض علي وسام الحسن ٥٠٠ ألف دولار أميركي وسيارتين مصفحتين رباعيتي الدفع كي لا أنسحب من المعركة الانتخابية، لأنهم كانوا يريدونني أن أخرق لائحة فرنجية. هذا ما قاله لي وسام الحسن حرفيا. ووعدني بأن رئيس جهاز أمني في الشمال سيؤمن لي أصوات المسلمين السّنة في قضاء زغرتا – الزاوية إذا استمررتُ في ترشيحي. فرفضتُ المال. لو كنتُ عميلاً، هل كنتُ لأرفضَ نصف مليون دولار، إضافة إلى مقعد نيابي وسيارتين مصفحتين؟ كلا. كنتُ أخذتُ المال والمقعد والسيارتين.
«وفي اجتماع الخميس مع الجنرال عون، قال أحد الأشخاص الموجودين إن سفير إحدى الدول قال له: “فايز كرم حمار، عُرض عليه ٥ ملايين دولار (أخطأ فقال ٥ ملايين بدل ٥٠٠ ألف!) ليصير نائبًا ورفض!”
ــ كيف تعرفتَ إلى وسام الحسن؟
ــ كان الجنرال عون رافضًا أن يلتقي به لأنه يحاربنا سياسيًّا. وكان وسام الحسن يتهم عناصر التيار الوطني الحر بأمور عديدة لم تكن صحيحة. فكلفني الجنرال، سنة ٢٠٠٧ أظن، أن ألعب دور ضابط ارتباط بين التيار الوطني الحر وفرع المعلومات في ما خص كل الشكاوى التي كان يوجهها فرع المعلومات إلى عناصرنا. كان مثلا وسام الحسن يقول لي: “‘إنتو عم تتدربو عسكريًّا”. وليثبت كلامه، كان يعطيني صورًا لشبان يتمرنون. وإذا حققنا فيها، رأينا أنها التقطت في مخيم كشافة في أيام الاحتلال السوري.
ــ هل كان عناصركم في هذه الصور مسلحين؟
ــ كلا! وكان أيضًا وسام الحسن يقول لي: “إنتو عم تتسلحو. إجاكن سلاح”. هذه من التهم التي كان يوجهها إلينا.
ــ هل كانت لديه وثائق تثبت هذه الاتهامات؟
ــ كلا. كانت اتهماته مجرد كلام، فيحاول سحب المعلومات منا لعلها كانت صحيحة. لكنها كانت عارية من الصحة تمامًا. لو وُجِدت إثباتات، لما احتاج وسام الحسن إلى أن يقول لنا إننا متهمون. لكان استعمل هذه الإثباتات في القضاء ونشرها في الصحف.
ــ كيف جرى توقيفك؟
ــ دعاني وسام الحسن إلى تناول القهوة معه. فذهبتُ، وكان يوم خميس. فأدى لي التحية العسكرية، وتأهل بي. وقال لي: “في شغل بدنا نشتغلو سوا”. وجلسنا.
«لكنه لم يقل لي ما هو الأمر الذي دعاني من أجله. وقال لي: “أنا بدي روح شوف رستم غزالة. فينا نأجلها لبداية الأسبوع الجاي؟”
«واتصل بي هاتفيًّا يوم الثلاثاء ٣ آب ٢٠١٠، وقال: “فينا اليوم؟” فقلت: “نعم”، وعدت إليه. كنتُ أظن أن المشكلة تتعلق بالتيار الوطني الحر وأنه يريد إيصال شكوى جديدة للجنرال من خلالي.
«وعلى عادته، أدى لي التحية العسكرية، وجلستُ. وقال لي إن المشكلة تتعلق بي وليس بالتيار الوطني الحر. وكان هناك رجل باللباس المدني، جالسًا في مكتب وسام الحسن، تبين لاحقا أنه ضابط في فرع المعلومات ورئيس قسم التحقيق. وقال لي وسام الحسن: “بدو يسألك سؤال، بس مش هون، بمكتبو”. فذهبتُ معه، وهكذا تم توقيفي.
ــ بتهمة التعامل مع إسرائيل؟
ــ كلا. بتهمة الاتصال. وليس لديهم شيء يدل على ذلك. فقد طلبوا داتا الاتصالات، وتفحصوها، ولم يجدوا فيها أي رقم مشتبه به. وطوال التحقيق، وطوال المحاكمة، لم يسألوني سؤالاً واحدًا في هذا الموضوع. لم يقولوا لي مرة: “لماذا اتصلت بهذا الرقم؟”، بالرغم من أنهم أوقفوني بتهمة الاتصال بالعدو. أي اتصال؟ أين هو؟ ليس موجودًا. هذه من جملة الإفتراءات التي ألفت لاتهامي زورًا.
«لم يقل لي أحد إني متهم وإني سأقع في قبضة فرع المعلومات. وهذا أيضًا غير شرعي. فرع المعلومات مسؤول عن أمن الثكنات في قوى الأمن الداخلي فقط. لا يحق له التعاطي بشؤون العسكريين. وحدها مديرية المخابرات في الجيش يحق لها التحقيق مع العسكريين.
«وكانت الرسائل والتقارير التي تصل إلى النيابة العامة، يتصدرها ختم فرع المعلومات، ولكن فيه عبارة: “شعبة المعلومات”.
«وهذه مخالفة فادحة للقانون، لأنهم، في ذلك الوقت، لم يكونوا شعبة، أي جهاز يهتم بالأمن بشكل عام.»
وبعدها سألتُ النائب ابراهيم كنعان، رئيس لجنة المال والموازنة في مجلس النواب، إذا كان قانونيًّا إطلاق اسم “شعبة” على فرع المعلومات اليوم، فقال لي إن تحويل فرع إلى شعبة يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء، وإن المجلس لم يصدر هذا القرار بعد.
ثم سألت العميد كرم:
«قيل لي في حينها إنك عانيتَ التعذيب. قيل لي، مثلا، إنهم جعلوك تقف على رجل واحدة لمدة ساعات، وإذا استعملتَ كلا قدميك، ضربوك على قلبك. أهذا صحيح؟
ــ نعم.
ــ لكنك لم تذكر ذلك، فتغيرَت الصورة كليًّا.
ــ بدأت بذكر ذلك، ثم توقفت. لا أحب أن أتكلم على هذا الموضوع لأنه مهين. مهين جدًّا. وأنا عسكري. لا أريد أن تتبدل صورتي كرجل قوي.
ــ لكن يجب أن تتكلم. يجب أن تُعرف هذه الممارسات كي لا تتكرر مع غيرك. على أي حال، أنتَ لم تصغر، بل هم مَن صغِروا. هل قلَّت قيمة المسيح الذي عانى أكثر منك بكثير؟
ــ فور توقيفي، استُعملَت الوسائل المهينة لإرغامي على الإقرار بالتهمة المنسوبة إلي. أخذوني ووضعوني في السجن، وانهالت الإهانات. والإهانة أصعَب من التعذيب الجسدي. فحاولوا مثلاً ضربي بواسطة عائلتي. وكان يقول لي، وأنا أحدق إلى زوجتي وابنتي من خلف الزجاج: “بفرجيك شو بدنا نعمل بمرتك وبنتك”.
«وأعطى أمامي الأمر بتوقيف ابني وبرميه في السجن. وحاولوا أن يحطموا علاقتي مع زوجتي، فأعلنوا أني كنتُ في فندق مع عشيقة لي، على حد قولهم. نعم، حاولوا إقناع زوجتي بأني أخونها لأقبل أن أقر بما يريدون.
«لكن لم يكن لديهم شيء يبرزونه لإثبات ذلك. اعطونا إثبات! لا وجود لأي إثبات. وكان يجبرني على توقيع محاضر التحقيق تحت وطأة التهديد. كذلك فُرِضَت عليّ كتابة رسائل اعتذار الى عائلتي، أقر فيها بعمالتي المزعومة، وقد أملى علي المقاطع المتعلقة بالاعتراف المزعوم.
«وكيف أصف لكِ غرفة التحقيق؟ إنها كناية عن خلايا عديدة، عازلة للصوت، فلا يسمعكِ أحد إذا ضُرِبتِ أو افتُعِلَ بك أي شيء، مهما دوى صراخكِ. وكل واحدة من هذه الغرف على اتصال بغرفة مراقبة، يسجَّلُ فيها كل شيء. ففي كل من غرف التحقيق هذه مرآة شفافة، تسمح لهم برؤية كل ما يحصل في الغرفة. هذا، إضافة إلى التسجيبلات الصوتية والفيديو. وكل غرفة مساحتها مترين طولا ومترين عرضًا، وليس فيها أي نافذة، وتحتوي على طاولة وكرسيَّان أو أكثر، حسب الحاجة. كما ترين في الأفلام البوليسية الأميركية.
«منذ بداية احتجازي، طلبت من المحقق حضور محام وطبيب كوني سبق أن أجريت عملية القلب المفتوح، فقال لي: “لن يدخل الطبيب إلى هنا. ولن يدخل المحامي إلى هنا.” وفعلاً لم يدخل الطبيب أو المحامي إلى سجني إلا بعد مرور ٢٣ يومًا، أي بعد حضوري جلسة التحقيق الأولى عند قاضي التحقيق العسكري الأول، الرئيس رياض أبو غَيدا. وعندما دخل المحامي، قالو لي وله: “ممنوع تحكو عن التحقيق”. ولم يسمحوا لنا أن نختلي، فكان يجلس معنا أحد المحققين ويراقبنا. وكانوا أيضًا يراقبوننا من وراء المرآة الشفافة، ويستمعون إلى كلامنا. وكان جالسًا معنا، في غرفة التحقيق، واحد من المحققين، ويتدخل إذا لم يعجبه حديثنا. هذه أكبر مخالفة لأصول المحاكمات الجزائية.
«كان الضغط النفسي كبيرًا. استعملوا وسائل تعذيب، منها البَلانكو. لكنهم لم يطيلوا استعمال البَلانكو، لأنهم كانوا يريدون إيخافي فقط. وكانوا باستمرار يقولون لي: “يا عميل”. والإهانة هي أكثر من التعذيب، كما قلت. وكلما أرادونني أن أقر بأمر ما، كرروه لأني لم أكن أقر. والضرب والضغط المعنوي والتكرار هي سجن؛ وأنتِ في داخله، موجعة تعبة، تصِلين إلى حد من الإرهاق، تقولين فيه أي شيء يريدونه، من دون أن تبالي. وكان يجرى التصحيح على كل كلمة كنتُ أقولها. كانوا يقرأون ويصححون. هكذا كتبوا في التحقيق إني تقاضيت ٧ آلاف يورو مقابل إعطائي معلومات أمنية للإسرائليين. لو كنتُ رجلًا يبيع نفسه، لما اكتفيت بـ ٧ آلاف يورو وحسب، بل بعت نفسي بـ ٥٠٠ ألف دولار ومقعد نيابي. كل القضية لم تكن منطقية. فقد مكثتُ مدة طويلة في فرنسا، وأنا في التقاعد. أي معلومات كان باستطاعتي إعطاؤها للعدو؟ على أي ملف رسمي كان يمكنني الاطلاع كي أبيعه؟
«ولم يكن لديهم شيئ، ولم يبرزوا شيئًا في المحكمة، بالرغم من طول التحقيق، الذي استغرق ٦٩ يومًا من التعذيب الجسدي أو المعنوي، لأنهم لم يجدوا شيئًا. فلو وجدوا، لكان توقف التحقيق بعد يومًا أو يومين، وهذا ما ينص عليه القانون. كانت محاكمتي لا شرعية، بعدم وجود دلائل لتأكيد اتهاماتهم. وبالرغم من ذلك، سُربت أكاذيب لا تزال تحطم سمعتي لدى مَن لا يعرفني. وأنا ذاتي، لو قرأتها عن شخص آخر، لقلتُ إنه عميل. وأنا عندي لبنان في أول اهتماماتي. كان باستطاعتي أن أخون أو أن أساوم. لربحتُ لو فعلتُ ذلك. والآن، خسرتُ كل ما خسرته لأني أحببتُ لبنان وكنتُ وفيًّا له ولمَن يدافع عنه.
ــ هل يمكنك أن توضح ما قلته على الضباط الآخرين، وخصوصًا شامل روكز وجورج خميس؟
ــ قلتُ إننا لسنا في تنافس، لا بل نحن في الفريق نفسه ومبادئنا واحدة. أكن لهما كل المحبة والتقدير، وأعتبرهما من خيرة ضباط الجيش.
ــ فعلى مَن تكلمت بهذه السلبية عندما قلت: “هناك ضباط هربوا وتخلوا عن عسكرييهم”؟
ــ أنا أتكلم عن بداية الحرب ومرحلة سقوط الثكنات. كنتُ آنذاك في قاعدة رياق الجوية. والضباط الذين أتكلم عنهم، ليسوا اليوم في الخدمة، بل هم كلهم كبار في السن، وأحيلوا إلى التقاعد».
ختامًا لهذا المقال، أريد أن أعلِم القارئ أن مناقشات عديدة وحادة دارت بيني وبين العميد كرم. فكنتُ أسرد له معلوماتي، وهو يؤكدها أو ينفيها. وكان يرفض التكلم على التعذيب أو على الأشخاص الذين ألحقوا به الأذى أثناء محاكمته، خصوصًا منهم الذين ليسوا اليوم على قيد الحياة. بصعوبة أقنعته أن الصمت لا يفيد لبنان، بل يؤذيه. فقبل الإدلاء بما سبق. لكنه رفض أن تكرر في هذه المقابلة، بعض الأمور التي قالها في المحاكمة، بالرغم من أن المحاكمة كانت علنية، ومضمونها ورد على شاشات التلفزيون آنذاك، ونشر في الصحف المطبوعة والرقمية. وكنتُ شخصيًّا موجودة في المحكمة فتابعتُ إحدى جلسات محاكمة فايز كرم.
وبسبب هذا النقاش وتحفظات العميد كرم، أصبحَت هذه المقابلة وزرًا عليَّ وعليه. حتى إني سألتُ نفسي، مرات عدة كل يوم، ما نفع كل هذا العمل الشاق الذي لم يكن ينتهي وكان يحزنني ويمتص كل قواي. لِم لا أترك المقال كما هو بدلًا من أن أرهق نفسي أكثر؟ ولم أتابع تحقيقي حتى النهاية إلا لسبب واحد، وهو أني أدين، كلبنانية، لكل شخص استشهد أو خاطر بحياته أو بسمعته أو سُجن أو تألم من أجل الكيان الذي نسميه «لبنان». ويظن العميد كرم أن التعذيب الجسدي والمعنوي الذي عاناه، قد يؤذي صورته كرجل قوي. لكني أقول له إن احترام الإنسان الكريم له لم يصغر، بل ازداد بعد معرفة ما عاناه. وإن الرجل الضعيف لا يستمر التحقيق معه ٦٩ يوم.
وقلتُ له إنه حر ألا يكرر، في مقالي، ما قاله في المحكمة. إنما لا يستطيع منعي من إيراد ما سمعته بأذنيّ في المحكمة أو قرأته في الصحف أو في محاضر المحاكمة أو سمعته من فم أحد المحامين في المقابلات التي أجرتها الصحافة آنذاك.
لكن بعد كتابتها، عدتُ وحذفتُها كي لا يُقال إن العميد كرم طلب مني أن أقول أمورًا لم يرد أن يقولها هو. وهو لم يطلب. وأنا، على أي حال، لا أقبل أن يملى عليّ شيئ من قِبل أحد، سوى ضميري.
كذلك، لن أناقش هنا قرار القضاء ولا مضمون المحاكمة. إنما شابت عيوب كثيرة هذه القضية. واحدة منها تكفي، في نظر القانون، لإبطال كل المحاكمة… حتى إذا لم يُذكر العنف الجسدي والمعنوي والتهديد اللذين مورسا لأخذ توقيع فايز كرم، إلى حد جعل من الضروري نقله إلى المستشفى مرات عدة:
١ ـ أوقِفَ فايز كرم بخديعة، بشكل أقرب منه إلى الخطف.
٢ ـ بما أنه كان ضابطًا في الجيش، لا يحق لغير مديرية المخابرات التحقيق معه.
٣ ـ أي توقيف يجب ألا يتعدى ٤٨ ساعة قابلة للتجديد مرة واحدة، في وقت استغرق التحقيق مع فايز كرم ٦٩ يومًا.
٤ ـ ولم يرَ محاميًا ألا بعد ٢٣ يومًا.
٥ ـ ومُنع من التكلم مع المحامي على التحقيق. ولم يُسمح لهما بالتكلم من دون وجود ضابط يسمع ويشارك بكل شيء.
٦ – ضُغِط على القضاء بواسطة الرأي العام. فقد سُرِّبت أجزاء من الاعترافات التي أمليَت على فايز كرم، وشُنَّت بواسطتها حملة إعلامية شرسة، على نطاق كبير جدًّا، هدفها إقناع الرأي العام بأن الرجل عميل، وبأن القضاء خائن إذا أعلن براءته. والقانون يمنع هذه التسريبات كي لا يضغط الرأي العام على القضاء. كم بالحري إذا كانت هذه الاعترافات ليست صادرة عن المتهم، بل هي من تأليف المحققين، الذين رفضوا إعطاء المحكمة التسجيلات التي تدل على ذلك، فزعموا أنها أتلِفَت. لكن في لبنان، كل شيء يمكن تسجيله يُسَجَّل، ولا تسجيلات تُتلف.
لينا المر نعمة
مساء الجمعة ٧ تشرين الثاني ٢٠١٤
قال العماد عون في زغرتا، في ٢٣ تشرين الثاني ٢٠١٠، إنه سيقبل بنتيجة التحقيق بالنسبة إلى العميد فايز كرم، شرط أن يجرى حسب القانون. وأضاف أنه مقتنع ببراءة العميد كرم:
«العميد كرم ما باع معلومات، ولا مسّ بأمن لبنان. وإذا قضيتي أخدت ١٥ سنة حتى ترجع تنطرح بشكل سليم، وبعد ما خلصت بعد عشرين سنة، طبعًا قضيّتو، انشاالله السنة الجايي بنهاية عهد رسم التصفية، ما رح تضاين هالقدّ.
«بكرا القضاء جايي، لنشوف كيف هالتحقيق جرى مع العميد فايز كرم. إذا جرى وفقًا للأصول، وعم قولا قدام أهلو وأحبائو، وأنا كمان منن… إذا جرى وفقًا للأصول وكان مذنب، منقبل المسؤوليات، الّي بيتحملا. ولكن إذا لم يكن مذنب لن نقبل. وهو غير مذنب.
Video Player
Media error: Format(s) not supported or source(s) not found
«التحقيقات التي جرت مع العميد كرم لم تراعِ قانون اطول المحاكمات. لذا نطالب بالغائها. «قلت إني اعتقد أن فايز كرم بريء ونحن نطالب بوجود القرائن. أين القرائن التي تتهم العميد كرم؟ أكبر جريمة يرتكبها القضاء هي التمنع عن احقاق الحق».
ردًا على كلام نجيب ميقاتي حول شادي المولوي، أعيد نشر كتابي المفتوح الذي وجهته لميقتي في تموز ٢٠١٢، والذي يروي حقيقة قصة شادي المولوي وتوابعها. ذلك أن شادي المولوي، الذي حرره ميقاتي والصفدي، هو الذي أشعل نار الحرب على الجيش اللبناني في طرابلس:
دولة الرئيس
منذ بضعة أسابيع، أوقف شادي المولوي في مبنى تابع للوزير الصفدي، وأشعل السلفيون مدينتك طرابلس.
ليس من شأني الحكم على تهمة المولوي، فهي من مسؤولية القضاء. إنما من حقّي أن أشكك في براءة رجل يقبل أن يحرق أصدقاءه مدينته فيسقط ٥ قتلى ما عدا الجرحى، بغية إخراجه من السجن. إنسان لا علاقة له بالإجرام، لا يشكر رفاقه إن قتلوا الأبرياء من أجله، فهذا يجعله شريكًا في جرمهم.
لقد حرره القضاء بضغط من حضرتك، يا سيد ميقاتي، ومن السيد الصفدي. أنتما رجلان متمولان كثيرًا وتخشيان خسارة بعض ممتلكاتكما. تفكران في الانتخابات المقبلة. كل هذا أفهمه، لكن من واجبي أن أقول لك إن ليس من المشرف أن يقوي رئيس الوزراء قتلة الأبرياء على حساب الأمن العام والجيش والمواطن الطرابلسي. وذلك، مهما ارتفعت الثروات وقرب موعد الانتخابات. واجبك معاقبة هؤلاء القتلة وفرض النظام الذي تتوق إليه غالبية الشعب الطرابلسي الصامتة. فطرابلس هي عاصمة لبنان الثانية، ويحق لها في الأمن كبيروت، يا دولة الرئيس.
ولم تكتفِ بحماية المجرمين، بل أضعفتَ سلطة الدولة أكثر بوضع الجيش في مواجهة قوى الأمن في طرابلس، بعدما ضغطتَ على القضاء لإطلاق المولوي، الذي تجاسر وقال إن الدولة اللبنانية لا تستطيع ألّا ترضي السُّنَّة، كأن الطائفة الكريمة التي ينتمي إليها هي من عرق أسمى من الطوائف اللبنانية الأخرى.
وفي المحكمة، تزاحم الوزراء ليعرض كل منهم على المولوي خدمة سياراته. هكذا يتزاحم سائقو التاكسي في المطار عند رؤية مسافر. وفاز الوزير الصفدي بالمباراة، وركب المولوي سيارته الوزارية التي نقلته الى طرابلس.
ورُفضت سيارتك يا دولة الرئيس، لكنك دَعَوْتَ المولوي إلى زيارتك في منزلك. وقيل في بعض الصحف إنك قدمت له عشرة آلاف دولار، لكن مكتبك نفى ذلك في ما بعد. فالأمر، أصحيحًا كان أم لا، قد يضرك كثيرًا إذا تناقلته الألسن.
وفي تلك الحقبة، حان وقت الذكرى السنوية لضحايا مجزرة حلبا.
لكن السلفيين قرروا إقامة احتفال آخر في مكان قريب.
فأرسِل الجيش لمنع وصول الأسلحة، حماية لكل مَن سيشارك في أحد الاحتفالين.
وكما نعلم كلنا، يؤمَر الجيش، حين ينصب حاجزًا، بأن يطلق النار على إطارات السيارات إن لم تتوقف، وعلى ركابها إن تابعوا سيرهم أو أطلقوا النار.
وهذا ما حدث في الكويخات: مر موكب من سيارتين، إحداهما تحمل عددًا كبيرًا من البنادق في صندوقها. فأمر الجنود السائق بالتوقف، لكنه لم يمتثل إلى الأمر، لا بل أطلِقَ النار على الجنود، وأصيب أحدهم. فرد رفاقه على النار، وقَتلوا شيخين سلفيّين، منهما الشيخ عبد الواحد الذي اشتهر بتهريبه الأسلحة لمساعدة فتح الإسلام ضد الجيش، أثناء معركة نهر البارد.
لِم لم تتسلم الصحافة صور الجنديّ الجريح؟ لأنها قد تثبت أن الجيش قام بالواجب، وأن النار أطلِقت عليه أولًا؟
وتحت ضغط الشارع السلفي، وتحت ضغطك أنت، يا دولة الرئيس، سُجِنَ العسكريين الذين أطاعوا الأوامر.
لماذا لم يفعل الجيش شيئًا للدفاع عنهم؟ إنه يخشى بعض السياسيين الذين يستمدّون قوتهم وتمويلهم من التزاماتهم الخارجية. لكن أفراد الجيش أيضًا، في حاجة الى الأمان. الأمان عندما يطيعون الأوامر. إن كانت الأوامر سيّئة، يجب معاقبة الذي أعطاها، لا الذي نفذها.
وبعد تحرير المتهم بالإجرام، وبعد زجّ العسكريين الأبرياء في السجن، قررت، يا سيد ميقاتي، أن تحرر الموقوفين الإسلاميين الذين اعتقلوا بسبب أحداث نهر البارد. لتبرير اهتمامك واهتمام وزير الداخلية بهم من دون سواهم، قيل لنا إنهم في السجن منذ ٥ سنوات.
نحن مع تطبيق القانون وإطلاق الموقوفين بعد انتهاء مدة ما، حتى إن لم يُحاكَموا. لكن لمَ يُطلق الموقوفون السلفيون ولا الموقوفون المسلمون غير السلفيين، أو الموقوفون من سائر الديانات؟ في سجن رومية نفسه، يوجد رجال ينتظرون حكمهم منذ ٧ سنوات أو أكثر، وبعضهم أوقف لأنه سرق مئة ألف ليرة وليس لأنه عمل مع حركة إرهابية قتلت لبنانيين مدنيين وعسكريين.
وبعد بضعة أيام، أخلى المدّعي العام رياض أبو غيدا الضبّاط الموقوفين في قضيّة الشيخ أحمد عبد الواحد ورفيقه. فهدد السلفيون بتفجير طرابلس والشمال. فتوسطتَ، يا دولة الرئيس الذي لا تكف عن الخوف على ملياراتك المستثمَرة في المملكة السعودية، وعلى شعبيتك الانتخابية في طرابلس.
فعاد المدّعي العام وأوقف الضباط ثانية.
هذا عمل تعسفي يا سيد ميقاتي، لا يجوز في أي بلد القيام به. هدفه هدم معنويات الجيش كي لا يعود يدافع عن الوطن. فيغدو لبنان من دون جيش حين تدق ساعة محاولة الاستيلاء عليه لتحويله إلى… إلى ماذا؟ ربما إلى هذه الجمهورية الإسلامية السلفية التي يطالب بها معظم الذين تظاهروا ضد تحرير الضباط.
لكان أقل أذىً لسمعة الدولة، ألّا يخرَج الضباط من السجن أبدًا.
وباتت اليوم الغالبية في لبنان، بكل طوائفه، غاضبة. ولكن هل تسمع أذناك صوتها الضميري، أكثر من صوت القلَّة التي تحرق الدواليب وتقتل الأبرياء؟
يا سيد ميقاتي، هل أنت تترأس جمهورية آل كابوني، التي كانت تحمي المجرمين وتتخلى عن الغالبية البريئة؟
لينا المر نعمة
هذا الكتاب المفتوح صدر في ١٦ تموز ٢٠١٢ في موقع النشرة الإلكتروني. ورد عليه الوزير الصفدي في الموقع نفسه، لا لينفي محتواه، بل ليقول إن شادي المولوي لم يذهب إلى طرابلس في سيارته. ونسأل لماذا لم يكذب الصفدي وسائل الإعلام المرئية التي نشرت الخبر على الهواء، في لحظة إطلاق المولوي.