داعش، وريثة العرب في استعمال البَلانكو والصلب

كلمة «بَلانكو» إيطالية من أصل لاتيني (بَلانكا)، وكانت تُستعمل في الأزمنة القديمة لتسمية الآلة التي تُرفَع بها الحجارة الثقيلة. والصورة أدناه لإحدى الآلات القديمة، كما وصفها فيتروفيوس.

Phoenician Baalbek-Murr Nehme p46

ولا يزال يطلق اسم «بَلانكو» على الآلة نفسها، خصوصًا حين تُرفَع بها السيارات بغية نقلها أو تصليحها. وهذه الآلة، أو ما يشابهها، تُستعمل أيضًا للتعذيب، كما في الصورتين أدناه:

 Balanco-2

Balanco-3

«تُعلّق الضحيّة من قدميها أو من يديها (وفي الغالب من قدم واحدة أو من يد واحدة)، بإحدى الرافعات الّتي تستعمل لحمل السيّارات. وفي هذه الوضعيّة، يتمّ جلدها أو دفعها في اتّجاه الحائط.

«ويحضر أحيانًا طبيب لينذر الجلاّدين بمقدار التعذيب الذي يمكن للضحيّة احتماله بعد.

«يقول معتقل سابق: “ثمّة وسيلة تعذيب مشابهة للبلانكو، وهي السلّم. يُقَيـَّد السجين إلى السلّم. ثمّ يوقف السلّم، فيبقى رأس الضّحيّة في الأسفل. هذه الوضعيّة تتسبب بتدفّق الدم إلى الرأس، وبعد مدة، يخيّل إلى المرء أنّ عينيه ستخرجان من وجهه”».

(لينا المر نعمة، «المخطوفون اللبنانيون في السجون السورية»، ألف وتاو، بيروت، ص ٣٠.)

البلانكو ليست وسيلة تعذيب حديثة. إنها إحدى أقدم وسائل التعذيب المعروفة في الكتب والمنحوتات. وقد استعملها اليونانيون والرومان لرفع البشر وتعذيبهم. الصورة إلى الأسفل لمسيحيين علقهم الرومان على البلانكو.

Palanco-first Christians
وقد يُغني الشجر عن استعمال الآلة، إنما التعذيب هو نفسه. في الصورة إلى الأسفل، منحوتة يونانية تمثل مارسياس، ضحية الإله أبولون.

Lina Murr Nehme_Marsyas
وأحيانًا كان الذراعان يُربَطان أو يُسمّران في شكل أفقي، ليزداد ألم الضحية. وهذا هو الصلب. ولم تُستعمل دومًا الحبال لتعليق الضحايا، بل علقت أحيانًا بالمسامير، عموديًّا أو أفقيًّا. وقد صلب الإسكندر المقدوني آلاف الشبان الفينيقيين في صور (لبنان)، لأنهم قاوموه.

وكان الرومان يمارسون الصلب على العبيد والأغراب، ويعفون أنفسهم منه. ولكثرة ما كان هذا النوع من التعذيب مروعًا، تجنب الفن المسيحي رسم المسيح المصلوب، طوال قرون. وهذا الرسم للمسيح المصلوب، هو الأقدم المعروف. وهو في مخطوطة ربولى المشرقية.

Rabboula

أما الروم، فقد منعوا الصلب وغيره من الممارسات الوحشية، بعد اهتداء الأمبراطورية إلى المسيحية. لكن هذه الطرائق ظلت تُمارَس عند العرب والفرس.

وعندما احتل العرب المشرق، عذبوا بالبلانكو المسيحيين اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين إن لم يدفعوا الجزية في الوقت المحدد. فهب الإمام الأوزاعي من بيروت لنصرة المظلومين:

لينا المر نعمة-بيروت ان حكت-١٢٩

وورث الأتراك أساليب التعذيب العربية، ومنها البلانكو. وإلى الأدنى، صفحة من القسم الفرنسي لكتابي «بيروت إن حكت» (وهو باللغتين)، وضعتُ فيها صورة طبق الأصل لأحد النصوص التي تروي ذلك.

Lina Murr Nehme-Si Beyrouth parlait-128

وطبعًا ورثت الأنظمة الشرقية التي حلت محل العرب والأتراك في لبنان وسوريا وفلسطين والأردن والعراق وسائر الشرق الأوسط، وسيلة التعذيب بالبلانكو. وفي سر السجون، هي تستعمل أيضًا الصلب. أما داعش، فهي تفتخر بتطبيق الحدود (أي العقابات الشرعية)، منها الصلب، وهي تصلب البشر في الساحات (الصورة أدناه).

ISIS crucifixion of Christians

داعش هي الكيان الأكثر استعمالاً للتعذيب في الشرق الأوسط اليوم، لسببين. أولاً لأنها تسيطر على أكبر بقعة جغرافية سكنية في الشرق الأوسط، وتمد سلطتها بسرعة قصوى. لا بد من أن تكون ضحاياها كثيرة، لأن الزمن هو زمن حرب.

ثانيًا، داعش ليست محبوبة، فلا تستطيع أن تفرض نفسها إلاّ بالرعب: القتل والتعذيب المكثف.

Email Twitter Facebook Pinterest Google+ Linkedin

تعليق واحد على “داعش، وريثة العرب في استعمال البَلانكو والصلب”

  1. c’est tres douloureux pour l’humanite ,on peut tuer le corp mais l’ame reste pour l’eternite.

التعليقات مغلقة.